الرئيسية | | الرسالة العملية | الحج اشهر معلومات | مقدمات الحج وأحكام عامة
مقدمات الحج وأحكام عامة

شارك الاستفتاء

الحج البذلي:

          كما تتحقق الاستطاعة بوجدان مؤونة الحج تتحقق ببذلها من قبل الآخرين (أشخاصاً أو جهات) ولا فرق بين بذل المال الكافي للحج، أو التكفل بالمستلزمات كدفع أجور النقل والإقامة والمصاريف الأخرى، ولا فرق في وجوب الحج بالبذل بين أن يكون الباذل واحداً أو متعدداً. ويعتبر أن يكون المبذول وافياً بمصارف ذهابه وإيابه، وبمصارف عياله إلا أن يكون عندهم ما يكفيهم إلى أن يعود، أو يكون غير متمكن من نفقتهم حتى مع ترك الحج.

(مسألة – 24) إذا وهب شخص مالاً لآخر، فلذلك صور:

الصورة الأولى: أن يهبه المال على أن يحج به، ففي هذه الصورة يجب عليه قبول الهبة والذهاب إلى الحج.

الصورة الثانية: أن يهبه المال ويخيّره بين أن يحج به أو يصرفه في جهة أخرى، ففي هذه الصورة يكون الأحوط له القبول، فإذا قبل وجب عليه الحج عند توفر سائر الشروط فيه.

الصورة الثالثة: أن يهبه المال من دون تعرض لفكرة الحج، ففي هذه الصورة لا يجب على الموهوب له القبول، نعم لو قبل وجب إذا كان واجداً لبقية الشروط.

(مسألة – 25) يتحقق البذل بالوصية كما إذا أوصى الميت بمال لشخص على أن يحج به أو يأمر وصيه بأن ينفق على حج شخص من ثلثه.

(مسألة – 26) ثمن الهدي من المال المبذول، فإذا امتنع الباذل عن بذل الثمن لم يجب على المبذول له قبول البذل، إلا إذا كان متمكناً بنفسه من شرائه وأما الكفارات فهي على المباشر دون الباذل.

(مسألة – 27) لا يجب على المبذول له بالبذل إلا الحج الذي يكون وظيفته في الشريعة المقدسة إذا استطاع، فإن كان المبذول له من البعيد، وهو من يبعد موطنه ومسكنه عن المسجد الحرام ستة عشر فرسخاً (88 كيلومتراً) فأزيد فوظيفته عند الاستطاعة حج التمتع من حجة الإسلام وإن كان من القريب وهو من يكون موطنه ومسكنه دون ستة عشر فرسخاً فوظيفته عند الاستطاعة حج الإفراد، وعلى هذا فإن بذل للبعيد مالاً على أن يحج به حج التمتع من حجة الإسلام وجب عليه القبول، وإن بذل له مالاً على أن يحج به حج الإفراد لم يجب عليه القبول.

(مسألة – 28) إذا بذل مالاً وافياً بنفقات حجة واحدة لجماعة فالمعروف والمشهور وجوبه على الكل غاية الأمر إذا سبق أحدهم الآخرين بقبض المال المبذول وجب عليه الحج وسقط عن الباقي، وإذا ترك الكل مع تمكن كل واحد من قبضه فمقتضى الاحتياط استقرار الحج على الجميع.

(مسألة – 29) لو تلف المال المبذول أثناء الطريق –مثلاً- بسبب من الأسباب كان ذلك كاشفاً عن عدم تحقق الاستطاعة البذلية للمبذول له، فلا يجب عليه الحج إلا إذا كانت عنده الإمكانية المالية لإتمامه، فعندئذٍ يجب عليه أن يتمّه ويجزي عن حجة الإسلام.

 

(مسألة – 30) لا يمنع الدَين من الاستطاعة البذلية إلا إذا كان الدين حالاّ وكان الدائن مطالباً والمدين متمكناً من أدائه إن لم يحج، فحينئذٍ لم يجب عليه الحج، وهكذا لو كان مؤجلاً ويعلم المدين أنه لو حج لا يتمكن من أداء دينه عند حلول أجله ومطالبة الدائن.

شارك الاستفتاء

مسائل في الاستطاعة المالية:

(مسألة – 11) لا يجب على المسلم تحصيل الاستطاعة حتى يجب عليه الحج لكن إذا استطاع وجب عليه، ويستحب للمسلم أن يعمل ويكسب بقصد توفير الاستطاعة للحج ليؤجر على كسبه.

(مسألة – 12) لا يُقصد بالإمكانية المالية وجود المبلغ المطلوب عنده فعلاً، بل يقصد وجود مال عنده تفي قيمته بنفقات سفر الحج بكل متطلباته، شريطة أن لا يكون ذلك المال من مؤونته التي هو في أمسّ الحاجة إليها كدار السكنى والأثاث اللازمة فيها وغيرهما، ونقصد بأمس الحاجة أنه إذا صرفها في نفقات الحج وقع في ضيق وحرج، وكما تحصل الإمكانية المالية بوجود مال في يده فعلاً كذلك تحصل بوجود مال له في ذمة آخر ديناً إذا كان حالاً وكان بإمكانه استيفاؤه.

(مسألة – 13) إن الإمكانية المالية التي هي العنصر الأول من الاستطاعة لا تعتبر أن تكون من بلده بل من مكانه، فإذا لم تكن لدى الشخص الإمكانية المالية في بلده، ولكنه ذهب إلى بلدة قريبة من الميقات كالمدينة المنورة بغرض التجارة، أو مهندس يُنتدب للعمل في مشروع هناك أو غير ذلك، فحصل على مال يفي بنفقات الحج منها، وجب عليه الحج، وكذلك لو ذهب إلى مكان قريب من الميقات متسكعاً، وحصل فيه على مال يكفي لنفقات سفر الحج وجب عليه ذلك، بل لو أحرم متسكعاً ثم حصل على مالٍ وافٍ للحج، وجب عليه أن يرجع إلى الميقات والإحرام منه من جديد لحجة الإسلام، وإن لم يكن بإمكانه الرجوع إليه، فإن كان أمامه ميقات آخر وجب عليه الإحرام منه وإلا فمن مكانه، والأحوط الابتعاد منه بالمقدار الممكن والإحرام من هناك.

(مسألة – 14) إذا لم يتوفر لديه نقدٌ كافٍ لكنه يملك داراً أزيد من حاجته أو سيارة كذلك فيجب عليه أن يتحول إلى المقدار المناسب له ويوفّر مال الاستطاعة، وكذا إذا كانت المرأة تملك حلياً وهدايا أزيد من المقدار اللائق بشأنها الاجتماعي فتبيعه لتوفّر مصاريف الحج إذا أمكن.

(مسألة – 15) إذا لم يتيسر بيع الدار ونحوه بثمن معقول غير مجحف ضمن المدة الزمنية المناسبة للحج سقطت عنه الاستطاعة.

(مسألة – 16) لا تُعَدُّ من الاستطاعة مقتضيات العرف الاجتماعي للمسافر وقاصد الحج من الهدايا ونحوها فلو لم تتوفر عنده فلا تعتبر مانعاً عن أداء الفريضة.

(مسألة – 17) لا يجب عليه اقتراض المبلغ الذي يمكنه من الاستطاعة ولكن إذا شاء الاقتراض من شخص أو جهة حكومية أو أهلية جاز إذا لم يسبّب له الاقتراض حرجاً عند تسديده بعد عودته.

(مسألة – 18) إذا ادّخر مالاً لصرفه في حاجة معينة كالزواج أو شراء قطعة أرض ولم يصرفه حتى حان زمن التهيؤ للحج عُدَّ مستطيعاً إذا كان كافياً إلا إذا كان ترك تلك الحاجة –كالزواج- يسبب له حرجاً أو ضرراً.

(مسألة – 19) إذا كان لدى الإنسان الإمكانية المالية لنفقات سفر الحج براً فقط لا جواً وجب عليه الحج براً، وإذا كان يخشى من السفر براً، فلا يجب عليه الحج.

(مسألة – 20) إذا حصلت المرأة على مهرها من زوجها وكان وافياً بنفقات سفر الحج مع استثناء ما تتطلب شؤونها في حياتها الزوجية بحسب التقاليد أو العادات المتبعة صرفه فيها، شريطة أن يسبب عدم استثناء ذلك الحرج فيجب عليها الحج في هذه الحالة، وكذلك إذا استغنت عن الحلي والزينة عندها، وكانت وافية بنفقات الحج مع ما تفرض شؤونها في حياتها الزوجية صرفه فيها حسب التقاليد المتبعة التي يسبب تركها الحرج. ومن هذا القبيل ما تحصل عليه الزوجة عقيب زواجها من الهدايا والنقود بما تتحقق به الإمكانية المالية فإنها حينئذٍ مستطيعة فيجب عليها الحج.

(مسالة – 21) من كان يرتزق من الوجوه الشرعية –كالخمس والزكاة وغيرهما- وكانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقة لا يبعد وجوب الحج عليه فيما إذا ملك مقداراً من المال يفي بذهابه وإيابه ونفقة عائلته، وكذلك من قام أحد بالإنفاق عليه طيلة حياته، وهكذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده من جهة المعيشة إن صرف ما عنده في سبيل الحج.

(مسألة – 22) إذا كان ما يملكه ديناً على ذمة شخص، وكان محتاجاً إليه في تمام نفقة الحج أو في بعضها، فإن كان الدين حالاً والمدين باذلاً عُدّ مستطيعاً، ووجب عليه أداء الحج ولو بمطالبة دينه وصرفه في نفقته.

          وكذا إذا كان المدين مماطلاً وأمكن إجباره على الأداء ولو بالرجوع إلى المحاكم الحكومية، أو كان جاحداً وأمكن إثباته وأخذه أو التقاصّ منه، أو كان الدين مؤجلاً وبذله المدين من قبل نفسه قبل حلول الأجل، دونما إذا توقف بذله على مطالبة الدائن مع فرض كون التأجيل لمصلحة المدين كما هو الغالب.

          وأما إذا كان المدين معسراً أو مماطلاً ولا يمكن إجباره، أو كان الإجبار حرجياً عليه، أو كان منكراً ولا يمكن إثباته ولا التقاصّ منه، أو كان ذلك مستلزماً للحرج والمشقة، أو كان الدين مؤجلاً تأجيلاً لمصلحة المدين ولم يبذل الدين قبل حلول الأجل، ففي جميع ذلك إن أمكن بيع الدين بأقل منه –ما لم يكن مجحفاً بحاله- بشرط وفائه بمصارف الحج ولو بضميمة ما عنده من المال، وجب عليه الحج، وإلا لم يجب.

 

(مسألة – 23) إذا استطاع شخص بإجارة نفسه لخدمة الحجاج في طريق الحج، وعند ممارسة الأعمال، وجب عليه الحج، وإذا أتى به أجزأ عن حجة الإسلام.

شارك الاستفتاء

وجوب الحج وشروطه

 

وجوب الحج

          يجب الحج على الإنسان البالغ العاقل المستطيع - وسيأتي شرح معنى الاستطاعة -، رجلاً كان أو امرأة، في العمر مرة واحدة، وتُسمّى الحجة الأولى الواجبة الجامعة للشروط (حجة الإسلام)، والحجة الثانية ليست بحجة الإسلام، وإنما هي حجة مندوبة أي مستحبة، ولا تصبح واجبة إلا بسبب طارئ كالنذر أو اليمين، أو عقوبة على إفساد حجّه في بعض الحالات، كما لو جامع امرأته عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعي قبل الوقوف بالمشعر الحرام، فإنه يجب عليه إكمال حجه فعلاً، والتكفير عن جماعه، وحجة أخرى عقوبة في العام القادم، وتسمى تلك الحجة بالحج الواجب بالإفساد، وكل هذه أسباب طارئة، وفي الأصل لا يجب الحج سوى مرة واحدة وهي (حجة الإسلام).

(مسألة -1) إذا توفرت شروط وجوب الحج وجب على المستطيع المبادرة إلى الحج، فلا يجوز له التهاون والتأخير في سنة الوجوب، ولا يجوز أن ينشغل بكسب أو أهل أو أولاد أو وظيفة اجتماعية أو سياسية وغيرها من شواغل الدنيا، وإذا أخّر كان آثماً –وقد تقدمت الروايات الشريفة في ذلك- وعليه أن يثبّت هذه الاستحقاقات في وصيته، وأن يبادر إلى الأداء في السنة اللاحقة وعليه أن يتحفظ على ما يمكّنه من أداء الفريضة في السنة اللاحقة.

(مسألة -2) يتوقف السفر في العصر الحاضر على عدة مقدمات كتحصيل جواز السفر ورخصة الدخول (الفيزا) والتسجيل في قوافل الحجاج لدى المتعهدين وغيرها، ومثل هذه المقدمات يجب على الإنسان تحصيلها وتهيئتها، وإذا قصّر في ذلك فلم يتوفق إلى السفر فهو من المتهاونين في أدائها.

(مسألة – 3) لا تجب المبادرة إلى أول قافلة مسافرة، والمهم إدراك زمن الفريضة بمناسكها المطلوبة.

 

شروط الوجوب

          وهي:

1- البلوغ         2- العقل 3- الاستطاعة.

(الشرط الأول) البلوغ:

          فلا يجب الحج على غير البالغ ولا يجزي حج الصبي عن حجة الإسلام وإن كان مراهقاً، لكن حجه وسائر عباداته تقع صحيحة ومقبولة إذا أُتي بها جامعة للشرائط.

(مسألة – 4) يتحقق البلوغ عند الإنسان ذكراً أو أنثى بظهور علامات النضج الجنسي كحالة الشبق والشهوة والميل إلى الجنس الآخر والتأثّر بالأمور الجنسية وبعض التغيّرات الجسمية والنفسية، ويكون الاحتلام (أي خروج المني في اليقظة أو المنام) علامة قطعية على البلوغ عند الذكور، وكذا الحيض عند الإناث، ولا بلوغ عند الأنثى قبل إكمال تسع سنين قمرية حتى لو خرج منها دم بصفات الحيض، ولا يوجد مثل هذا الحد الأدنى للبلوغ عند الذكور، ولكن المعروف تأخّر الذكور عن الإناث في البلوغ، وإذا لم تحصل أي علامة فيتعيّن تحديد البلوغ بالسن، وهو إكمال خمس عشرة سنة قمرية عند الذكور وثلاث عشرة سنة عند الإناث. وتقل السنة القمرية عن الشمسية أحد عشر يوماً.

(مسألة – 5) إذا خرج الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يُحرم من الميقات وكان مستطيعاً فلا إشكال في أن حجّه حجة الإسلام، وإذا أحرم فبلغ بعد إحرامه لم يجز له إتمام حجه ندباً، ويجزئه عن إحرام الواجب، لكن الأحوط له أن يعود إلى الميقات ويجدد إحرامه بنية احتمال وجوبه، وإذا لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات فيفعل ذلك من أقرب نقطة للميقات تتيسر له، وإن لم يتمكن فمن أدنى الحل أي حدود الحرم، وإلا فمن مكانه.

(مسألة – 6) إذا حج الصبي ندباً معتقداً أنه غير بالغ فبان بعد أداء الحج أنه كان بالغاً أجزأ عن حجة الإسلام.

(مسألة – 7) يستحب للصبي المميز أن يحجّ ويعتبر في صحته إذن الولي على الأحوط.

(مسألة – 8) يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز ذكراً كان أو أنثى، وذلك بأن يلبسه ثوبي الإحرام، ويأمره بالتلبية ويلقّنه إياها إن كان قابلاً للتلقين وإلا لبّى عنه ويجنبه عمّا يجب على المحرم الاجتناب عنه، ويجوز أن يؤخّر تجريده عن الثياب إلى فخّ إذا كان سائراً من ذلك الطريق، ويأمره بالإتيان بكل ما يتمكّن منه من أفعال الحج وينوب عنه فيما لا يتمكن، ويطوف به ويسعى به بين الصفا والمروة ويقف به في عرفات والمشعر، ويأمره بالرمي إن قدر عليه وإلا رمى عنه، وكذلك صلاة الطواف، ويحلق رأسه وكذلك بقية الأعمال، والظاهر جواز الإحرام به مطلقاً وإن ورد في بعض النصوص التحديد بالإثغار.

(مسألة – 9) نفقة حج الصبي في ما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي إذا كان الولي هو من أخرج الصبي معه استحباباً، أما إذا كان السفر لمصلحة تعود إلى الصبي صحية أو فكرية أو اجتماعية أو غير ذلك فلا يجب النفقة على الولي، وجاز الإنفاق على الصغير من ماله في حدود المصلحة له.

(مسألة – 10) كفارة صيده على أبيه، وأما الكفارات التي تجب عند الإتيان بموجبها عمداً فالظاهر أنها لا تجب بفعل الصبي –وإن كان مميزاً- لا على الولي ولا في مال الصبي.

 

 

(الشرط الثاني) العقل:

          فلا يجب على المجنون وإن كان أدوارياً، نعم إذا أفاق المجنون في زمان يفي بالحج وكان مستطيعاً ومتمكناً من الإتيان بأعمال الحج وجب عليه وإن كان مجنوناً في بقية الأوقات.

 

(الشرط الثالث) الاستطاعة:

وجوب الحج مشروط بحصول الاستطاعة فلا يجب إلا على المستطيع وتعني الاستطاعة توفر عدة عناصر وهي:

1.     وجود القدرة المالية (الأعمّ من كون القدرة نقداً موجوداً أو ممتلكات) الكافية لتوفير مصاريف الحج ومستلزماته ونفقة الذهاب والإياب ونحوها.

  1. أن يُبقي لأهله ما يكفيهم.
  2. أن يعود بعد السفر إلى وضعه المالي الطبيعي من دون الوقوع في حرج أو ضيق بسبب إنفاقه المال في الحج.
  3. عدم وجود المانع من السفر كتحصيل الإذن من الدولة التي يستوطنها أو التي يتوجه إليها.
  4. أن يأمن على نفسه طيلة سفرته وعلى عياله أثناء غيابه.

 

 

شارك الاستفتاء

موجز مناسك العمرة والحج

 

          تتضمن كتب (مناسك الحج) تفاصيل فقهية كثيرة قد تُشتّت ذهن القارئ وتفوّت عليه إمكانية حصر المقدار الواجب ليأخذ عنه فكرة إجمالية واضحة في ذهنه ثم يدخل في التفاصيل لذا ارتأينا أن نقوم بذلك بإذن الله تعالى.

          يجب الحج على المسلم مرة واحدة في العمر، وما زاد عنه فهو مستحب وقد يجب بسبب طارئ كالنذر أو إفساد للحج الأول.

          والشخص الذي لم يسبق له الحج يسمى (الصرورة) ويرد عنوانه في بعض الأحكام كاستحباب استنابته عند عدم استطاعته.

          وإذا توفرت عناصر الاستطاعة وجبت على الإنسان المبادرة إلى الحج، ولا يجوز له التسويف والتكاسل وإذا لم يفعل في سنة الاستطاعة عُدَّ عاصياً فعليه المبادرة في السنة اللاحقة.

             يقوم الحاج بفريضتين متلازمتين([1]) في سفره:

(أولاهما) عمرة التمتع وهي مراسيم دخوله إلى مكة ثم يبقى منتظراً موسم الحج ليؤدي (ثانيتهما) وهي فريضة الحج المباركة، وإنما سُمّيت عمرة التمتع لأنه بعد أن يؤديها تباح له الاستمتاعات الجنسية مع زوجته حتى يحرم للحج.

          وعمرة التمتع لا تكون إلا في أشهر الحج (شوّال، ذو القعدة، ذو الحجة) فمن سافر إلى مكة في غيرها فعليه أن ينوي العمرة المفردة وهي غير المرتبطة بالحج وتتضمن طواف النساء إضافة إلى مناسك عمرة التمتع وبلحاظ استقلالها عن الحج تسمى (المفردة).

          وأول ما يجب عليه فعله هو الإحرام من المواقيت المحددة التي لا يجوز للذاهب إلى بيت الله الحرام تجاوزها إلا وهو محرِم.

   و(الإحرام) حاله كحال الصوم والصلاة يتطلب منه القيام بأفعال معينة واجتناب أمور معينة تسمى (تروك الإحرام).

          وميقات المسافر براً من العراق وغيره عبر المدينة المنورة هو مسجد الشجرة القريب من المدينة المنورة، أما المسافرون جوّاً إلى مدينة جَدَّة فإنهم يستأجرون حافلة مكشوفة السقف لتنقلهم شمالاً إلى أقرب ميقات وهي الجحفة ويحرمون هناك ثم يهبطون إلى مكة (راجع ملحق مواقيت الإحرام)، وسنذكر بقية المواقيت في الموضع الخاص بها بإذن الله تعالى.

          وفي الميقات يتجرد الحاج من ملابسه الاعتيادية ويلبس ثوبي الإحرام ناوياً بلبسهما (عمرة التمتع إلى حج التمتع قربة إلى الله تعالى) ولا يدخل الإنسان حالة الإحرام أي تصبح تروك الإحرام عليه فِعليّة بمجرد لبس ثوبي الإحرام وإنما تتنجّز عليه بالتلبية التي هي كتكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة ثم يقصد مكة بسيارة مكشوفة لحرمة التظليل على المحرم أثناء السير ، ومن حين عقد الإحرام يتوجب عليه اجتناب تروك الإحرام.

          فإذا دخل مكة طاف بالبيت سبعة أشواط متوضأً طاهر البدن والأثواب ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم يأخذ شيئاً ولو يسيراً من شعر رأسه أو لحيته وكل هذه الأفعال (الطواف، الصلاة، السعي، التقصير) يأتي بها بنفس النية المتقدمة وهي عمرة التمتع إلى حج التمتع.

          فإذا تم ذلك فقد انتهت مناسك العمرة وتباح له تروك الإحرام حتى النساء عدا ما يتعلق بالأرض الحرام كالصيد ويبقى مُحِلاً غير مُحرِم حتى يبدأ موسم الحج.

          ففي ليلة التاسع من ذي الحجة أو في صبيحته يجدد الإحرام بنية الحج هذه المرة من محل إقامته أو من البيت الحرام -وهو الأفضل- ويخرج إلى عرفات حيث يجب على الحاج أن يتواجد هناك من أذان الظهر إلى أذان المغرب فيشتغل بالعبادة والذكر وبعض المستحبات.

          وبعد أذان المغرب يذهب إلى المشعر الحرام في مزدلفة فيمكث هناك حتى طلوع الشمس من يوم العاشر من ذي الحجة ويجمع خلال وجوده (49) حصاة لرمي الجمرات في منى ويستحب له أن يجمع (70) حصاة احتياطاً لعدم إصابة بعضها أو ضياعها.

          وبعد وصوله إلى منى يذهب لرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيّات ثم يذبح الهَديَ ثم يحلق رأسه للذاهب أول مرة احتياطاً أما غيره فيتخيّر بين الحلق والتقصير فإذا أتمَّ مناسك منى الثلاث فقد أبيحت له تروك الإحرام إلا الطيب والنساء وما يتعلق بالأرض الحرام فيعود إلى ملابسه الاعتيادية وبقي عليه عملان:

(الأول): أن يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة وفي نهار كل من هذين اليومين يذهب إلى الجمرات الثلاث ليرمي كل واحدة منها بسبع حصيّات مبتدءاً بالصغرى ومنتهياً بالكبرى ، ويتخيّر الحاج بين المبيت بمنى أو قضاء الليل بالعبادة عند البيت الحرام.

(الثاني): أن يذهب إلى مكة ليطوف بالبيت سبعاً وهو (طواف الحج) ويصلي ركعتي الطواف ثم يسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة ثم يعود ليطوف بالبيت سبعاً وهو (طواف النساء) فإذا قضاه أبيحت له الاستمتاعات الجنسية مع زوجته ومن هنا سُمّيَ طواف النساء.

       ويمكن للحاج أن يقوم بهذه الأعمال مباشرة بعد انتهاء أعمال منى يوم العاشر أو يقضي بها ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر ليجعلها من العبادة التي تكون بدل المبيت بمنى.

          فإذا رمى الجمرات يوم الثاني عشر فينفر من منى بعد حلول الزوال وبانتهاء هذا الرمي وبإتيان طواف النساء تنتهي مناسك الحج بلطف الله تبارك وتعالى.

 

 



([1]) هذا لمن يحج (حج التمتع) وهي وظيفة كل من يبعد بلده عن مكة (88) كيلومتراً وأزيد أما من كان منزله دون ذلك فوظيفته (حج الإفراد) أو (حج القِران) وهو حج مستقل عن العمرة وتلاحظ استطاعة الحج بمعزل عن العمرة ويفترقان بأن الثاني (حج القِران) يسوق معه هدياً ليذبحه في منى دون الأول.

شارك الاستفتاء

ما قبل السفر

 

1.   لا يجب على المسلم تحصيل الاستطاعة حتى يجب عليه الحج لكن إذا استطاع وجب عليه، ويستحب للمسلم أن يعمل ويكسب بقصد توفير الاستطاعة للحج ليؤجر على كسبه، ويعلّم الإمام (عليه السلام) شيعته كيف يوفّرون الاستطاعة للحج من دون أن تؤثّر عليهم فيقول (عليه السلام): (لو أن أحدكم إذا ربح الربح أخذ منه الشيء فعزله فقال: هذا للحج، وإذا ربح أخذ منه وقال: هذا للحج، جاء أبّان الحج وقد اجتمعت له نفقة عزم الله له فخرج، ولكن أحدكم يربح الربح فينفقه فإذا جاء أبّان الحج أراد أن يخرج ذلك من رأس ماله فيشقُّ عليه)([1]).

2.   يجب على الحاج أن يذهب إلى ربِّه نقياً طاهراً ليحظى بما أعدَّ الله تعالى لضيوفه ، فيُطهِّر أمواله بدفع الحقوق الشرعية المتعلقة بذمته ، ويتراضى مع الناس إذا كان لهم في ذمته شيء من الحقوق المادية – كالأموال – أو المعنوية – كالإيذاء والانتقاص والإهانة والتسقيط - ، ويطهِّر نفسه بالتوبة .

3.   وعليه أن يتقن عباداته بصورتها الصحيحة كالوضوء والغسل والصلاة والقراءة ، لأن الصلاة عمود الدين ، وأن يتعلم مسائلها الإبتلائية ، كالشكوك وموارد القصر والتمام وسائر أحكام الصلاة الصحيحة .   

4.   ينبغي للحاج أن يبحث عن قافلة يتوفر فيها مرشد ديني له فضيلة علمية كافية وهمّة في الإرشاد والتوجيه وإحياء الشعائر الدينية كصلاة الجماعة وغيرها وأبويّة يرعى بها أيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وورع ودين وحكمة في التصرف.

     وأن يكون متعهد القافلة متديناً ورعاً وله معرفة كافية بمناسك الحج ومواطن الديار المقدّسة كالمواقيت ومواضع المناسك والآثار الدينية لكي يوقفهم على المناسك والشعائر بدقة وأن يكون خبيراً بشؤون رحلات الحج ومتطلباتها وأن يكون واسع الصدر صبوراً رحيماً بالحجاج حريصاً على خدمتهم ولا يكون همّه الربح المادي بل ابتغاء الأجر عند الله تعالى بهذه الخدمة الجليلة.

5.   أن يصحب معه نسخة من المصحف الشريف ليبتدئ بختمةٍ مع ابتداء السفر وينتهي بانتهائه لاستحباب ختم القرآن مرّة واحدة على الأقل أثناء سفر الحج. وأن يصطحب كتاباً للأدعية كـ(مفاتيح الجنان) ونحوه ليواظب على المستحبات والأدعية المأثورة كدعاء كميل ليلة الجمعة والندبة يومها وأدعية الأيام والتوسل والزيارات.

6.   أن يوفّر عدداً من الكتب النافعة في الأخلاق والموعظة والأسرار المعنوية للحج والأبعاد الاجتماعية والسياسية لمناسكه حتى يستغلّ وقته بالاستفادة منها بدل التسكع في الأسواق أو قضاء الوقت بأحاديث اللغو والغيبة خصوصاً وان الحاج يمتلك وقتاً فارغاً كثيراً حيث لا تأخذ المناسك منه إلا اليسير.

7.   يستحب للحاج أن يوفّر شعر رأسه من الأول من ذي القعدة ويمتنع عن حلقه.

8.   لا يغفل عن توفير احتياجاته الخاصة بمناسك الحج أو ما يتعلق بالسفر؛ ومنها ثوبا الإحرام وقطعة إضافية احتياطاً لتنجس الأخرى أو تلفها أو مساعدة أحدٍ محتاج إليها، ووثائق السفر وغيرها.

9.   أن يصحب رسالة عملية خاصة بمناسك الحج لمرجع تقليده لكي يتعرف على تفاصيل الحج ومعالجات المشاكل وأجوبة المسائل التي تواجهه والأفضل أن يصحب عدة رسائل للفقهاء الذين تدور الأعلمية بينهم ليعمل بأحوط الأقوال عند الاختلاف فالاحتياط سبيل النجاة خصوصاً في الحج الذي يجب مرّة واحدة في العمر.

10.        أن يقرأ آداب المعاشرة مع الإخوان والتعامل الإسلامي النظيف مع الآخرين لأن السفر ميزان الأخلاق وان مدة السفر التي تقرب من الشهر تتطلب شيئاً من الصبر وسعة الصدر والإيثار والتراحم والتعاطف والتعاون وغيرها. وتوجد كتب في آداب العشرة كما أن صاحب كتاب وسائل الشيعة جمع أحاديث الأئمة الأطهار عليهم السلام في الجزء الثامن من الكتاب تحت عنوان (آداب العشرة) فينبغي وضع خلاصة لها في دفتر خاص لتسهيل مراجعتها باستمرار.

11.        أن يقرأ كتاباً عقائدياً يستعرض موارد الخلاف والجدال مع الطوائف الأخرى لأنه سيلتقي مع أنواع منهم وتثار مثل هذه الحوارات خصوصاً للقادم من حواضر العلم كالعراق الذي يمثل قلب الإسلام النابض بالحركة والوعي والفقه وسائر علوم الإسلام فلا بد أن يدافع عن الخط الإسلامي الأصيل المتمثل بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

ملاحظة: أشير هنا إلى أن كثيراً من هذه النصائح لا أتوقع أن كل الحجاج قادرون على الأخذ بها وهنا تكون مسؤولية المرشد الديني كبيرة في ممارسته لوظيفته على طول السفرة ليرشدهم إلى هذه الأمور وليحرص على إقامة صلاة الجماعة بهم وعقد المحاضرات والندوات ومجالس الذكر لأهل البيت (عليهم السلام) باستمرار وأن يبيّن لهم عظمة الفريضة التي انطلقوا لأدائها.

12.        ينبغي للمرأة أن تراجع الطبيبة وتستشيرها في تناول العلاج الذي يقطع عنها الدورة الشهرية لكي لا تنغّص عليها أداء مناسكها فإن أحكام الحائض في الحج ليست يسيرة وقد لا تؤدّيها كما يجب.

 



([1]) وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب51، ح1.

شارك الاستفتاء

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فريضة الحَجّ

 

 

          يلبي ملايين المسلمين دعوة ربّهم لزيارة بيته الحرام التي أبلغهم إياها على لسان خليله أبيهم إبراهيم([1]) (عليه السلام) بعد أن حدد تبارك وتعالى له مكان البيت والمناسك التي يؤدّونها لتعود عليهم بالنفع في الدنيا والفلاح في الآخرة فقال تعالى: [وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ] (الحج: 26-30).

          ثم أكّد هذه الدعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوجبَ تلبيتها على من استطاع إليه سبيلاً بعد أن بيّن عظمة البيت الحرام وبركته، قال تعالى: [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ] (آل عمران:96-97). وقال تعالى: [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ] (البقرة: من الآية 196)، ووصف السعي بين الصفا والمروة -وهو من مناسك الحج- أنه من شعائر الله التي يكون تعظيمها من تقوى القلوب فقال تعالى:[إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ] (البقرة: 158).

          وبيّن تعالى بعض آداب الحج فقال عزّت أسماؤه [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا واللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ] (البقرة: 197-202).

          وقد واصل الأئمة المعصومون (عليهم السلام) التأكيد على وجوب هذه الفريضة والإسراع إلى أدائها عند حصول الاستطاعة والعقوبة على من تقاعس عنها؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: حجّوا واعتمروا تصحّ أجسامكم وتتسع أرزاقكم ويصلح إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالاتكم)([2])، وورد في نهج البلاغة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (فرض عليكم حجَّ بيته الذي جعله قِبلةً للأنام يرِدونه ورود الأنعام ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزّته واختار من خلقه سُمّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدّقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته، جعله سبحانه للإسلام علماً، وللعائذين حرماً، فرضَ حجه وأوجب حقه، وكتب عليكم وفادته، فقال سبحانه: [وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ])([3]).

          وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا قدر الرجل على الحج فلم يحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام)([4]) وعنه (عليه السلام): (من مات ولم يحج حجّة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً)([5]).

          إنها معجزة أنَّ دعوةً عمرها آلاف السنين تحرّك الملايين من أكثر من (160) دولة (هي مجموع الدول التي تكوّن المعمورة) في كل سنة ليقطعوا المسافات البعيدة ويفارقوا الأهل والأموال والأحبة ويتجشموا المعاناة والمصاعب وهم لا يلتفتون إلى ذلك لأن قلوبهم وعقولهم ونفوسهم مشدودة إلى بيت ربّهم لينقطعوا إلى ربّهم عن كل علقة ويتجردوا عن كل شيء سواه ويعيشوا تلك الأجواء القدسية، وقد ورد عنهم عليهم السلام: (إن إبراهيم خليل الله أذَّن في الناس بالحج، فقال: أيها الناس إني إبراهيم خليل الله، إن الله يأمركم أن تحجّوا هذا البيت فحجّوه، فأجابه من يحج إلى يوم القيامة)([6])، وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إن الله لما أمر إبراهيم ينادي في الناس بالحج قام على المقام فارتفع به حتى صار بإزاء أبي قبيس، فنادى في الناس بالحج، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أن تقوم الساعة)([7]).

          لقد ربط الأئمة (عليهم السلام) مصير الدين بوجود الكعبة لأنها رمز وحدة المسلمين وعلامة توحيدهم ولأنها تشدّهم إلى خالقهم ورسوله العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) وشريعته المباركة قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة)([8]).

          وحذّر (عليهم السلام) الأمة من ترك هذه الشعيرة المباركة؛ فعن الصادق (عليه السلام) قال: (لو ترك الناس الحج لما نُوظروا العذاب، أو قال: أنزل عليهم العذاب)([9]).

          ويجعل الأئمة (عليهم السلام) من واجب الحكومات إجبار الناس على أداء فريضة الحج إن تقاعسوا جميعاً عن أدائها فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (لو عطّل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج إن شاؤوا وإن أبوا فإن هذا البيت إنما وضع للحج)([10]).

          وقد التفت أعداء الإسلام من الداخل والخارج لعظمة هذا البيت وأثره في حفظ توحيد المسلمين ووحدتهم وبالتالي عزّتهم وكرامتهم ومنعتهم لذا سعوا إلى تدمير هذا الرمز مادياً بنسفه وإحراقه ومحو آثاره –وهذا ما حصل في مرات عديدة عبر التأريخ-، ومعنوياً بتفريغه من محتواه التوحيدي الخالص وتحويل شعائره إلى طقوس شكلية ونشر الشبهات التي أوجدت أناس متحجرين متعصبين لا يفقهون شيئاً غير لذّاتهم الجسدية ويرفضون أن يعلن المسلمون براءتهم من شياطين الإنس والجنّ عند بيته المحرم رغم أن الله تبارك وتعالى يقول: [وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] (التوبة:3).

          وبالمقابل فقد حفلت الروايات الشريفة بآثار مباركة جليلة لمن حج البيت الحرام؛ فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى منادٍ: لو تعلمون بفناء مَنْ حَللتم لأيقنتم بالخَلَف بعد المغفرة)([11])، وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحاج ثلاثة: فأفضلهم نصيباً رجل غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخّر، ووقاه الله عذاب القبر، وأما الذي يليه فرجل غفر له ذنبه ما تقدّم منه، ويستأنف العمل فيما بقي من عمره، وأما الذي يليه فرجل حُفِظَ في أهله وماله)([12]).

 

 



([1])   قال تعالى: [مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا باللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ] (الحج: من الآية78).

([2]) وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب1، ح20.

([3]) وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب 1، ح21.

([4]) المصدر السابق، باب6، ح10.

([5]) المصدر السابق، باب7، ح1.

([6]) وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه،   باب1، ح4.

([7]) المصدر السابق، باب1، ح19.

([8]) المصدر السابق، باب4، ح5.

([9]) المصدر السابق، باب4، ح1.

([10]) وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب5، ح1.

([11]) وسائل الشيعة: مج8، كتاب الحج، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب38، ح4.

([12]) المصدر السابق، باب38، ح23.

1 2
المجموع: 16 | عرض: 11 - 16

مكتب المرجع الديني

الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله) - ارسل استفتاءك

النجف الاشرف